في 29 تشرين الأوّل وبعد استقالة رئيس حكومة تصريف الاعمال سعد الحريري، خطّ المنسق الخاص للامم المتحدة في لبنان يان كوبيتش رسالته الى اللبنانيين بأن يفعلوا كذا ولا يفعلوا كذا، وكأنّ الرجل نصّب نفسه "واليا"، أو "مفوّضا ساميا" للبنان، يدخل في أدقّ تفاصيل الحياة السّياسية الداخليّة، متجاوزا بذلك كافة الأعراف والقوانين التي تنظّم عمل السفراء.
أمس الأول، كانت تصريحات كوبيتش أكثر استفزازا، فظهر وكأنه يأخذ طرفا فيما يجري في لبنان، رغم أن مهمّته، وبكل تأكيد، لا تخوّله ذلك. قال كوبيتش في تصريحين، الأول من عين التينة والثاني على صفحته على مواقع التواصل: "حاكم مصرف لبنان رياض سلامة هو الوحيد الذي يعمل على معالجة الازمة القائمة، في وقت لا يقوم السياسيّون بأي شيء"، و"السياسيون في لبنان يجب أن يلوموا أنفسهم على هذه الفوضى الخطرة لا أن يلوموا الشعب"، مضيفا أن "لبنان فريد من نوعه، فمصرف لبنان يطلب صلاحيات استثنائية لإدارة الاقتصاد، في حين يقف المسؤولون عن الوضع في موقف المتفرج وهو ينهار".
كذلك لم يكتفِ كوبيتش بالتصريحات المذكورة اعلاه، فقد علّق على الأحداث التي حصلت أمام ثكنة الحلو بالقول: "يوم آخر من الاحتجاجات وخاصة الشباب الغاضبين من أن مطالبهم بالمستقبل اللائق يتم تجاهلها بإيجاز، هذه الأحداث لا تزال غير كافية لإيقاظ السياسيين"؟.
وصل يان كوبيتش الى لبنان في 11 شباط الماضي، لتولّي مهام المنسق الخاص للأمم المتحدة في لبنان، وكان قبل ذلك الممثّل الخاص للأمين العام لبعثة الأمم المتحدة لمساعدة العراق، وقد شغل قبلها منصب الممثل الخاص للأمين العام لبعثة الأمم المتحدة لمساعدة أفغانستان، كما شغل منصب الأمين التنفيذي لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية لأوروبا ووزير خارجية سلوفاكيا والممثل الخاص للاتحاد الأوروبي في آسيا الوسطى.
بظل الأزمة التي يعيشها لبنان، شهدت حركة كوبيتش حيويّة كبيرة، فكان ينتقل بين المقرات للقاء المسؤولين اللبنانيين، الأمر الذي يوحي بدعم الأمم المتحدة للبنان، ولو أننا نعلم أن الأخيرة تهتم بمصالحها وبمصالح الدول التي تسيطر عليها قبل أيّ شيء آخر. بالساعات الماضية تحول المنسّق الخاص للامم المتحدة في لبنان من سفير أجنبي، الى حكومة لبنانية مجتمعة، فطالب لحاكم مصرف لبنان بصلاحيات استثنائية، بالوقت الذي طلب فيه وزير المال علي حسن خليل من سلامة التريّث الى حين تشكيل حكومة تقرّر في هذا الشأن.
كوبيتش كأيّ سفير في لبنان يفترض ان يخضع لاتفاقيّة فيينا التي تنصّ بمادتها الثالثة على مهمة السفراء في الدول التي يُنتدبون اليها: "تتألف أهم وظائف البعثة الدبلوماسية مما يلي، تمثيل مصالح الدولة المعتمدة ومصالح رعاياها في الدولة المعتمد لديها ضمن الحدود التي يقرّها القانون الدولي، التفاوض مع حكومة الدولة المعتمد لديها، وتعزيز العلاقات الودّية بين الدولة المعتمدة والدولة المُعتمد لديها وإنماء علاقاتهما الاقتصاديّة والثقافيّة والعلميّة".
لم تذكر الإتفاقيّة من ضمن هذه الوظائف "التدخل بوقاحة وقلّة احترام في الشؤون السياسية الضيّقة للبلدان التي يُعتمد فيها السفراء"، فهذا الأمر يستفزّ، أو يجب أن يستفزّ المسؤولين في الدولة، وكما يطالب هؤلاء في دولهم من السفراء احترام حدود عملهم، يجب عليهم أن يحترموا حدود عملهم في لبنان.